الأسرة وأهمية الأذكار اليومية
إن من أعظم الأعمال الصالحة التي يرجو الإنسان برها وذخرها ذكر الله تعالى، وكم هو جميل أن يتعهد الوالدان الكريمان أولادهما بعد نفسيهما بهذه الأذكار اليومية الدورية، حيث الاطمئنان والسكينة والهدوء والسلوك الحسن؛ لأن الذاكر لله تعالى اكتسب ذلك بتوفيق الله تعالى، ثم مواظبته على تلك الأذكار.
وسنقف مع هذا الموضوع عشر وقفات فأرجو من الوالدين الكريمين جدولة تلك الأذكار لأولادهم؛ لعل الله تعالى أن يعينهم، ويوفق تلك الذرية للخير في التطبيق والتفعيل.
الوقفة الأولى: في هذه الأذكار الدورية اليومية تحصين البيت والأسرة، ومما يدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: « إذا دخل الرجلُ بيته فذكر الله عز وجل عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لا مبيتَ لكم ولا عشاءَ » رواه مسلم.
فما أخف كلمة باسم الله على اللسان عند الكبير والصغير حين دخول البيت، فهي حصن من الشيطان أن يبيت في ذلك البيت، فكيف إذا داوم أهل البيت على الأذكار الأخرى المتنوعة فلا شك أن هذا زيادة في التحصين وكسبًا للأجور.
الوقفة الثانية: في معرفة هذه الأذكار الخفيفة على اللسان العظيمة في الميزان تعليم للأولاد للهدي النبوي في يومهم وليلتهم، فكم هو جميل جدًّا ألا يتحرك الأولاد إلا بذكر فسيتعلمون من خلال ذلك أذكارًا كثيرة تكون سببًا في صلاحهم وإصلاحهم وعونًا على تربيتهم.
الوقفة الثالثة: تعليم الوالدين لأولادهم تلك الأذكار هو صدقة جارية للوالدين الكريمين، فلنتصور أن واحدًا من الأولاد تعلم ذكرًا واحدًا فعاش على هذا الذكر وعلمه لغيره فما هي الأجور التي تحصل للوالدين من خلال ذلك، لا شك أنها لا تحصى كثرة فكيف بمجموع الأذكار لمجموع الأولاد، فيا أيها الوالدان الكريمان إن هذه فرصة عظيمة لكم في كسب تلك الأجور والصدقات الجارية وربما تسلسل إلى أحفادهم وإن نزلوا.
الوقفة الرابعة: نماذج من الأذكار اليومية فمنها دعاء الدخول للمنزل والخروج منه وأذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم والاستيقاظ، وأذكار المأكل والمشرب، ودخول دورة المياه والخروج منها، وأذكار الوضوء وأذكار الصلاة إضافة إلى الأذكار العارضة غير الثابتة وغير ذلك، ومما يقترح في تحفيظ تفعيل هذه الأذكار مع الأولاد الطريقة التالية:
تجمع الأذكار المذكورة وتحرر في ورقة أو يعتمد كتاب من كتب السنة فيوزع على الأولاد ثم يخطط لذلك برنامج أسبوعي؛ ففي كل أسبوع حديث أو ذكر يسمّع ثم ينزل إلى أرض الواقع مع الإشراف والحث والتحفيز من الوالدين الكريمين لأولادهم، ويناقش ذلك الذكر المحدد لهذا الأسبوع في جلسة الأسرة اليومية أو شبه اليومية فستكون في هذه الأسرة دورة علمية تربوية لها مخرجاتها الرائعة، بحيث يكون الأولاد حفظوا خمسين ذكرًا خلال العام الواحد وحافظوا عليها وهذا لا شك أنه رصيد تربوي كبير لهؤلاء الأولاد وهذه الأسرة.
الوقفة الخامسة: يقول ابن القيم - رحمه الله -: للذكر مائة فائدة .. وذكر منها: السكينة، والاطمئنان، والانشراح، وهدوء البال، وتحصيل الأجور، والعصمة من الشيطان، ومرافقة الملائكة للذاكر، وتسهيل أموره وتسديده في أقواله وأفعاله، وتكفير سيئاته، ونورًا في وجهه، وقربه من الطاعات وبعده عن المعصية، ... إلى غير ذلك من الفوائد المكتسبة من ذكر الله تعالى.
فيا قرة أعين الوالدين إن كانت هذه المصالح والفوائد فيهما وفي أولادهم فما أحوجنا للحفظ والمحافظة على تلك الأذكار اليومية.
الوقفة السادسة: برنامج الحفظ لهذه الأذكار يعتمد على التطبيق والتنفيذ لما يتم حفظه ومناقشته معهم، ومن الممكن أن يطرح لهذا وسائل عدة فمن ذلك: كتابة الحديث أو الذكر وطباعته في ورقة صغيرة ويوزع على الأولاد ليحفظوه وليكن معهم في جيوبهم، وكذلك استثمار وسائل التواصل في التذكير بالحديث وإرسال بعض معانيه والتعليقات عليه وكذلك وضع حوافز تشجيعية شهرية لتحفيزهم وتشجيعهم، وكذلك وضع المسابقات بينهم خلال الفصل الدراسي في تسميع ما تم حفظه من الأذكار.
الوقفة السابعة: هذه الأذكار متنوعة وهي قاعدة لحياة الأولاد في المستقبل حيث لا يتحركون إلا بذكر فمع كسبهم للأجور فهي تربية لهم وتقريب للسنة في أعمالهم وأقوالهم وهي علم يصاحبهم أينما كانوا وتفقه في دين الله عز وجل.
الوقفة الثامنة: يوصى الأولاد بالدلالة لغيرهم على هذه الأذكار من أقرانهم وأقربائهم لتعظم أجور الأولاد والوالدين وليكونوا إيجابيين لغيرهم، قال عليه الصلاة والسلام (من دل على خير فله مثل أجر فاعله) رواه مسلم.
الوقفة التاسعة: نماذج من الأذكار التي ينبغي المحافظة عليها لدينا ولدى أولادنا؛ فمن هذه الأذكار:
قول "بسم الله" عند الدخول، وقول "بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله" عند الخروج فإنه يقال له كما ورد في الحديث الحسن: «هُديت، وكُفيت، ووُقيت، وتَنحَّى عنه الشيطان»، وأيضا قول "بسم الله" عند الركوب، ومن أذكار النوم أيضا قراءة آية الكرسي في سورة البقرة في آية مئتين وخمس وخمسين، وأيضا قوله "سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر ثلاثًا وثلاثين عند النوم، وختام المائة قوله الله أكبر"، ومن هذه الأذكار أيضا ما ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتب له مائة حسنة، ومحي عنه مائة سيئة، وكان في حرز من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي» رواه البخاري.
فهذا ذكر عظيم وأجره عظيم وهو لا يستغرق أكثر من عشر دقائق سواء قيلت هذه المائة مجتمعة أو متفرقة، ومن ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر» رواه البخاري.
وهو لا يستغرق مع فضله وعظيم أجره أكثر من دقيقة واحدة، إلى غير ذلك من الأذكار الموجودة في بطون الكتب، فيمكن للوالدين الكريمين أن يجعلا لأولادهم برنامجًا أسبوعيًّا مع تلك الأذكار.
الوقفة العاشرة: هذا البرنامج لا يعرف الاستعجال المفرط في التنفيذ ولا انتظار النتائج في زمن يسير بل هو طويل المدى قوي المفعول في الصلاح والإصلاح بإذن الله عز وجل لكن يأتي على مراحل فكل مرحلة تبني المرحلة الأخرى.
هذه وقفات عشر مع برنامج الأسرة والأذكار اليومية إذا اهتم بها الوالدان وجعلا هذا البرنامج نصب أعينهم ومحط تفكيرهم في تنشئة أولادهم على الصلاح والسلوك الحسن فإن الله تعالى يوفقهم ويضاعف في أجورهم، وهذا من الرعاية التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: « كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه»، فهذه الأذكار من التربية الذاتية التي تسير مع الفرد طوال حياته بمشيئة الله تعالى فاحرصوا معاشر الآباء والأمهات على تربية أولادكم على مثل هذا أسأل الله تعالى للجميع الصلاح والإصلاح في النفس والولد.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.